الدنمارك هي دولة تقع في شمال أوروبا، وتعد جزءًا من الدول الإسكندنافية. على الرغم من أنها تعتبر دولة ذات طابع علماني إلى حد كبير، إلا أن الديانات تلعب دورًا مهمًا في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الدنماركي. في هذا المقال، سنستعرض الأديان الكبرى في الدنمارك، بداية من المسيحية التي تشكل الديانة الرئيسية في البلاد، مرورًا بالديانات الأخرى التي يتبعها عدد أقل من السكان، وصولًا إلى الوضع الديني المعاصر في الدنمارك وتأثيره على الحياة اليومية.
1. المسيحية في الدنمارك
تعد المسيحية الدين السائد في الدنمارك، وتحديدًا الديانة المسيحية البروتستانتية. نسبة كبيرة من سكان الدنمارك ينتمون إلى الكنيسة اللوثرية الدنماركية، وهي الكنيسة الوطنية للبلاد. تاريخ المسيحية في الدنمارك طويل ومعقد، ويعود إلى العصور الوسطى عندما تم تبني المسيحية رسميًا في القرن العاشر تحت حكم الملك هارالد بلوتوث. على الرغم من أن الدنمارك كانت في البداية جزءًا من التقليد الكاثوليكي، فإن الكنيسة اللوثرية أصبحت السائدة بعد إصلاحات مارتن لوثر في القرن السادس عشر، عندما أعلن الملك فريدريك الأول الديانة اللوثرية ديانة رسمية للدولة.
الكنيسة اللوثرية الدنماركية هي الكنيسة المعترف بها رسميًا في البلاد، وهي تتمتع بوضع خاص كمؤسسة دينية رسمية، حيث يدعمها النظام القانوني والسياسي في الدنمارك. يعترف غالبية سكان الدنمارك أنفسهم كأعضاء في الكنيسة اللوثرية، حتى لو لم يمارس الكثير منهم الدين بانتظام. وفقًا للإحصائيات الأخيرة، يشكل المسيحيون البروتستانت حوالي 75% من إجمالي السكان في الدنمارك.
على الرغم من أن الدنمارك تعتبر دولة علمانية، فإن الكنيسة اللوثرية لا تزال تلعب دورًا هامًا في الحياة الثقافية والدينية. يتمثل هذا الدور في تقديم الخدمات الدينية مثل المعمودية، الزواج، والجنائز، والتي يشارك فيها العديد من المواطنين الدنماركيين في مناسباتهم الحياتية. ومع ذلك، فإن الالتزام الديني في الدنمارك في تناقص مستمر، حيث يعبر الكثيرون عن أنفسهم كـ “غير متدينين” رغم أنهم لا يزالون يحددون أنفسهم كأعضاء في الكنيسة.
2. الإسلام في الدنمارك
الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في الدنمارك بعد المسيحية. يقدر عدد المسلمين في الدنمارك بحوالي 5% من إجمالي السكان. على الرغم من أن الإسلام لا يعتبر الدين السائد في الدنمارك، فإن الجالية المسلمة في البلاد تضم أفرادًا من خلفيات متنوعة، بما في ذلك المهاجرين من تركيا، لبنان، العراق، باكستان، وبلدان أخرى. يشكل المسلمون الدنماركيون جزءًا كبيرًا من السكان من أصل مهاجر، وخاصة في المدن الكبرى مثل كوبنهاغن وأورهوس.
يشهد المجتمع الدنماركي المسلم نموًا مستمرًا في السنوات الأخيرة، حيث يتزايد عدد المسلمين في البلاد بفضل الهجرة والولادات. في الدنمارك، يوجد عدد كبير من المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية التي تقدم للمسلمين مكانًا للصلاة والتجمع، فضلاً عن تقديم الخدمات التعليمية والدينية.
تواجه الجالية المسلمة في الدنمارك تحديات عديدة، أبرزها التنميط والتفرقة. في السنوات الأخيرة، كانت هناك بعض التوترات بين المسلمين والمجتمع الدنماركي، خاصة في ما يتعلق بقضايا مثل حرية التعبير، حقوق النساء، والتعامل مع التطرف. مع ذلك، يستمر المسلمون في الحفاظ على تقاليدهم الدينية في الدنمارك، مثل الصلاة اليومية وصوم رمضان، على الرغم من أنه في الغالب لا يتم تنفيذ هذه الممارسات بنفس الشكل الذي يتم في الدول الإسلامية.
3. البوذية في الدنمارك
البوذية هي إحدى الديانات التي بدأت في الدنمارك في القرن العشرين. تعتبر الديانة البوذية أقل انتشارًا في الدنمارك مقارنةً بالمسيحية والإسلام، ولكنها شهدت بعض النمو خلال العقود الأخيرة. يوجد العديد من المعابد البوذية في الدنمارك، ومعظم البوذيين في البلاد هم من المهاجرين من الدول الآسيوية مثل تايلاند وكمبوديا وفيتنام.
تتمثل أبرز الممارسات البوذية في الدنمارك في التأمل وتطبيق المبادئ الأخلاقية التي تنطوي على تجنب العنف وتعزيز السلام الداخلي. يجد العديد من الدنماركيين الذين يسعون وراء الروحانية البوذية وسيلة للتعامل مع الضغوط النفسية في حياتهم اليومية، وهي تعكس اهتمامًا متزايدًا بالروحانية البديلة والبحث عن السلام الداخلي.
4. اليهودية في الدنمارك
اليهودية هي ديانة أقلية في الدنمارك، حيث يشكل اليهود حوالي 0.1% من إجمالي السكان. تاريخ اليهود في الدنمارك يعود إلى العصور الوسطى، ولكن أعدادهم بدأت في الزيادة بشكل ملحوظ في القرن التاسع عشر. يوجد في الدنمارك معبد يهودي ومجموعة من المنظمات اليهودية التي تنظم الأنشطة الثقافية والدينية.
تاريخ اليهود في الدنمارك يعتبر جزءًا من التاريخ الدنماركي الغني. خلال الحرب العالمية الثانية، قام الشعب الدنماركي بدور حاسم في حماية اليهود من الاضطهاد النازي، حيث نجح العديد من اليهود الدنماركيين في الهروب إلى السويد بمساعدة المجتمع المحلي. ومن هذا التاريخ المشرف في حماية حقوق اليهود، يظل المجتمع اليهودي في الدنمارك جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد.
5. الهندوسية والسيخية في الدنمارك
الهندوسية والسيخية هما ديانتان أقل انتشارًا في الدنمارك، حيث يشكل أتباع هاتين الديانتين أقل من 1% من إجمالي السكان. العديد من أتباع هذه الديانات هم من المهاجرين من الهند وبلدان أخرى في جنوب آسيا. تقدم المنظمات الهندوسية والسيخية في الدنمارك دور العبادة والمراكز الثقافية التي تساعد الأفراد على ممارسة طقوسهم الدينية والتواصل مع أقرانهم.
الهندوسية في الدنمارك تركز على العبادات اليومية، مثل الصلاة وقراءة النصوص المقدسة مثل “بهاغافاد جيتا”، بينما تشمل السيخية في الدنمارك ممارسات مثل الصلاة في معابد السيخ (جورودوارا) وتوزيع الطعام في الخدم الديني.
6. الإلحاد والعلمانية
على الرغم من أن الديانة المسيحية هي الأكثر انتشارًا في الدنمارك، فإن المجتمع الدنماركي يشهد تزايدًا ملحوظًا في عدد الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي ديانة. يُقدر أن حوالي 20-30% من سكان الدنمارك يعرفون أنفسهم كملحدين أو غير دينيين. تعتبر الدنمارك واحدة من أكثر الدول علمانية في العالم، ويظهر ذلك في ارتفاع نسبة الأشخاص الذين لا يشاركون في الأنشطة الدينية.
العلمانية في الدنمارك تعني أن الدولة لا تفرض أي ديانة على المواطنين، وأن حرية الدين محمية بموجب الدستور. على الرغم من أن الكنيسة اللوثرية هي الكنيسة الوطنية، فإن الدنمارك تضمن حرية الأديان لجميع المواطنين.
7. الختام
في الختام، تمثل الدنمارك مجتمعًا دينيًا متنوعًا يجمع بين الأديان الرئيسية مثل المسيحية والإسلام، إلى جانب الأديان الأخرى مثل البوذية واليهودية والهندوسية. على الرغم من أن المسيحية ما تزال هي الديانة السائدة، فإن الاتجاهات العلمانية والملحدة تزداد، مما يعكس التغيرات الاجتماعية والثقافية في الدنمارك. من خلال هذا التنوع الديني، تبقى الدنمارك نموذجًا يعكس تحديات وتفاعلات الأديان المختلفة في مجتمع علماني.
